الهجرة غير الشرعية

 

 

الصادر بتاريخ: 10 رجب 1439هـ/ 27مارس 2018م 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فتمر المجتمعات بعدة مشاكل اجتماعية تهدد استقرارها، ومن هذه المشاكل الهجرة غير الشرعية التي تعددت أسبابها ومن ثم صعب على الباحثين حصرها في مجال محدد، والشباب هم الشريحة الأكثر عرضة للهجرة غير الشرعية بدوافع مختلفة ومعقدة. وفي شكل صور متنوعة؛ كالهجرة عبر الحدود أو ركوب البحر أو تزوير الوثائق بتسهيل من المهربين والسماسرة المبتزين. خاصة إذا استغلت بعض الأسباب كقلة فرص العمل، والضغط النفسي، وبعض أمراض الاكتئاب، والطموح الجامح لدى الشباب، والوقوع فريسة للإغراءات المعروضة عبر شبكات التواصل ووسائل الاعلام.

ممّا جعل الهجرة غير الشرعية “الهجرة السرية”، “غير القانونية”، “غير النظامية” ظاهرة عالمية ومشكلة رئيسة تعاني منها كثير من الدول؛ لما يترتب عليها من أضرار ترتبط بالخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية  لهذه الدول.

ولخطورة هذه الظاهرة على مجتمعنا نظم المجلس الإسلامي الأعلى ندوة علمية  بتاريخ 05 جمادى الثاني 1439هـ/ 21 فيفري 2018، بعنوان “دواعي الهجرة غير الشرعية: أسبابها وأخطارها” بمشاركة علماء الشريعة والقانون والاقتصاد والاجتماع  وبعد دراسة هذه الظاهرة من كل الجوانب ومعالجتها من زوايا مختلفة وجهود متكاتفة يصدر المجلس الإسلامي الأعلى البيان الآتي:

إنّ الهجرة غير الشرعية تشمل جملة من المخالفات والمفاسد :

أولاً: ما في هذه الهجرة من خرق للمعاهدات، والعقود الدولية التي تنظم الدخول والخروج من بلد إلى آخر، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المسلمون على شُروطِهم، إلا شَرطًا حَرَّم حَلالا، أو أَحَلَّ حَرامًا»؛ (الترمذي).

ثانيًا: ما يكون في بعض صورها من تعريض النفس للمخاطر والهلاك من غير مُسَوِّغ شرعي، حيث يُخاطِر المهاجرون بركوب البحر بمراكب غير مُرَخَّص لها. فهم بهذا يغامرون بأرواحهم مع علمهم بخطورة هذه الوسيلة وكونها مظنة للتلف والغرق.

والمحافظة على النفس أحد المقاصد الشرعية الكلية الخمسة التي تقع في مرتبة الضروريات، لقوله تعالى: “وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ ” البقرة: 195، وقوله تعالى: “وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ إن الله كان بكم رحيما ” النساء: 29.

ثالثًا: ما يترتب عن هذا النوع من الهجرة من إذلال المهاجر نفسه؛ فإنّ الدخول إلى البلاد المهاجَر إليها من غير الطرق الرسمية المعتبَرة يجعل المهاجِرَ تحت طائلة التَّتَبُّع المستمر له من قِبَل سلطات ذلك البلد، فيكون مُعرَّضًا للاعتقال والعقاب، فضلا عما يضطر إليه كثير من المهاجرين غير الشرعيين من ارتكاب ما يُسِيء إليهم وإلى بلادهم، بل وأحيانًا إلى دينهم، ويقدم صورة سلبية عنهم؛ كمذلة السؤال وافتراش الطرقات.

رابعًا: ما في ذلك من مخالفة ولي الأمر، وهذه المخالفة غير جائزة ما دام أن ولي الأمر أو الحاكم لم يأمر بمُحَرَّم؛ فقد أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر؛ فقال تعالى” يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ منكم” النساء: 59.

فمَن أراد أن يهاجر من بلد إلى آخر، فعليه الالتزام بالقوانين المتفق عليها بين الدول في هذا الشأن والتي أمر الحاكم بالالتزام بها ونهى عن مخالفتها.

خامسًا: ما يكون في بعض صورها من تزوير وغشّ وتدليس على سلطات الدولتين المُهَاجَر منها والمُهَاجَر إليها، وهو من باب الكذب، قال الله تعالى:  “وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ ”  الحج: 30، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “مَن غَشَّنا فليسَ مِنَّا” (رواه مسلم).

سادسًا: ما تستلزمه هذه الهجرة من تعاون على المعصية غالبًا؛ فقد يلجأ المهاجر لمن يزوّر له أوراقه، أو يلجأ لمن يعينه على الوصول والدخول إلى وجهته بسلوك دروب الهلاك، كل هذا نظير أجرة محددة، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ” المائدة: 2.

الحلول المقترحة:

1- دعم سياسة ادماج الشباب، وتشجيع قروض الاستثمار وبخاصة القروض المصغرة، وتوفير مناصب الشغل.

2- فتح قنوات الحوار، وتفعيل خلايا الاستماع وتوسيعها، والقضاء على البيروقراطية والمحسوبية.

3- توسيع دائرة التحسيس والتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية وذلك عبر كل الوسائل المتاحة بداية من الأسرة والمدارس والجامعات والمساجد ووسائل الاعلام وغيرها بتنظيم ندوات ولقاءات بإشراك المنظمات والجمعيات الشبانية،

4- التأكيد على دعوة وسائل الاعلام لإعداد روبرتاجات وأفلام قصيرة تبين مخاطر ومآسي الشباب المهاجر في الخارج دفعا للخطاب المشجع والمغري للهجرة. والعمل على الترويج لقدرات البلد في مجالات التكوين والشغل وغيرها واعتماد سياسية ايجابية ضد خطاب التيئيس والتقنيط. لما له من آثار سلبية في المجتمع.

5- توسيع الجهود الأمنية لمنع سماسرة وشبكات الهجرة غير الشرعية. و تعزيز آليات مكافحة هذه العصابات وشبكات تهريب المهاجرين باعتماد جهود أمنية مشتركة بين الدول المعنية. وتثمين جهود الحراسة على الحدود البرية والبحرية لمواجهة جماعات الهجرة غير الشرعية.

وفي الأخير نسأل الله العلي القدير أن يؤمّن بلادنا وبلاد المسلمين من كل شر وفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدي شباب الأمة الإسلامية إلى سبيل الرشاد.