مشروعية استفادة المرضى

الأحياء من أعضاء المتوفين

 

التبرع بالأعضاء من شأنه أن ينقذ حياة أناس في لحظات حرجة.وللأسف لا تزال عمليات زرع الأعضاء البشرية تعرف نقصا كبيرا بالمستشفيات الجزائرية، ورغم الجهود المبذولة من طرف الجهات المختصة من أجل رفع عدد العمليات سنويا والاقتراب من المعدلات العالمية في هذا الجانب من خلال سن التشريعات القانونية المنظمة وتوفير الوسائل والأجهزة الطبية اللازمة، إلا أن هذه الجهود تواجهها العديد من العقبات من أهمها نقص عدد المتبرعين،  الذي يرجعه الخبراء إلى بعض الأفكار التي ترى في العملية تعديا غير مقبول على الجسد الإنساني. ولم تفلح الحملات الإعلامية للتوعية بأهمية التبرع لإنقاذ الأرواح في تجاوز الثقافة المتخلفة الرافضة.

يرى المجلس الإسلامي الأعلى أنّ عملية التبرع بالأعضاء تعدُّ عملًا إنسانيًّا عظيمًا من شأنه أن يساهم في العمل على إنقاذ العديد من الأشخاص بل حياة الملايين ممن يعانون من أمراض مستعصية لا توجد لها أدوية في كثير من الأحيان. وعندما تصيب الأمراض بعض الأعضاء الحيوية كالقلب و الكبد والرئتين أو غيرها من الأعضاء الحيويّة فتصبح عندها الحياة مستحيلة وبالتالي الموت المحقق، فمن هنا تبرز أهمية من تبرع بعضوٍ من جسده بعد موته لغيره.

فعندها سيكون المتبرع قد فكّ عن أخيه المريض كربةً وضائقةً وأزال عنه مرضًا قد يودي به إلى الموت وبأساً ملازمًا له، فله عند ذلك من الله -سبحانه وتعالى- الثّواب العظيم والأجر الجزيل، وكثيرًا ما عدّ العلماء التبرع بالأعضاء بعد الموت إحسانًا و نفعًا كبيرًا وعندها فسيُكتَب عند الله -سبحانه وتعالى- من المحسنين الذين يجازيهم الله -تعالى- على إحسانهم خير الجزاء، والله أعلم.

ووصف العلماء التبرع بالأعضاء بعد الوفاة بأنه من أعظم الصدقات عند الله تعالى، بالإشارة إلى جواز أن يقوم أهل المتوقي بالتبرع بأعضائه، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة احترام وصية الميت سواء بالتبرع أو عدمه.

وبين بعض علماء الإسلام أن الصدقة ببعض الأجزاء من جسم الإنسان “أعظم” من الصدقة بالمال، يقول بعض العلماء المعاصرين: “الصدقة ببعض البدن أعظم أجرا من الصدقة بالمال وفق الشروط التي وضعها الأطباء، فقد اشترطوا لقبول الكلية من المتبرع ألا يزيد عمره على سن معين، ولقبول القلب للزرع ألا يتجاوز الخمسين عاما، وهذه صدقة عظيمة، للمتبرع أجرها وثوابها، وهي صدقة موقوتة بحياة الشخص المتبرع له، ولكنها صدقة لها قدرها عند الله”.

وأما ما يقوله البعض من أن جسم الإنسان ملك لله ولا يحق للإنسان أن يتصرف فيما لا يملك. فيرى المجلس الإسلامي الأعلى ما قرره العلماء أن هذا الكلام ليس عليه دليل مسلم به, فإن الذي لا يملكه الإنسان هو حياته وروحه فلا يجوز الانتحار ولا إلقاء النفس في التهلكة , أما الإنسان من حيث أجزاؤه المادية فهو مالكها وله أن يتصرف فيها بما لا يضره ضررا لا يحتمل إذ لا ضرر ولا ضرار ، ومن جهة أخرى فإن كل شيء ملك لله (لله ما في السموات وما في الأرض) البقرة 284 (ولله ملك السموات والأرض)المائدة 17 والمال كذلك مال الله ومع ذلك يقول الله تعالى(واتوهم من مال الله الذي آتاكم)النور33 ” ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ” آل عمران  180، فالمال فضل الله ورزقه ومع ذلك نزكي بالمال ونتبرع به، فلماذا لا نتبرع بجزء من الجسم الذي هو ملك الله؟ الم يجز العلماء من غير نكير إباحة التبرع بالدم، والدم جزء من الجسم كما أن المرأة تتبرع بلبنها فقد ترضع امرأة طفلا لامرأة أخرى وهذا اللبن جزء منها إضافة إلى ذلك لا يوجد دليل على التحريم فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد من النصوص ما يمنع، ونحن مأمورون أن ندفع قدر الله بقدر الله كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أمر الوباء: إنما افر من قدر الله إلى قدر الله ..

كما يرى المجلس بناء على أقوال العلماء أن الجواز مبني على ما فيه من المصالح الكثيرة التي راعتها الشريعة الإسلامية، وقد ثبت أن مصالح الأحياء مقدمة على مصلحة المحافظة على حرمة الأموات، وليس في ذلك أي تجنّ على حرمة الميّت كما قد يُفهم من عموم قوله صلى الله عليه وسلم ” كسر عظم الميت ككسره حيا”،  فالصحيح أن التكريم الإلهي باق له فلا  ينتهكه أو يؤثر فيه ما يؤخذ منه بعد موته من أجزاء تقوم عليها حياة إنسان آخر أو رد بصره بعده وغير ذلك،  لان مصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت.

ومن هنا تمثلت مصالح الأحياء في نقل الأعضاء من الأموات إلى المرضى المحتاجين الذين تتوقف عليها حياتهم، أو شفاؤهم من الأمراض المستعصية.

وهناك قواعد فقهية ومقاصدية يمكن أن يستنار بها في هذه المسألة، وكلها تصبّ في مصلحة المحافظة على حياة الحي.

وهناك قرارات المجامع الفقهية التي تجيز نقل الأعضاء من إنسان حي, أو ميت، إلى إنسان حي، ومنها:

قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة.

قرار المجمع الفقهي التاسع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته المنعقدة في جدة عام 1408هـ.

وعليه فانطلاقا من المبادئ والقيم الإنسانية التي تدعو إلى التعاون والإيثار وبذل الجهد لإنقاذ الأنفس وإحيائها لقوله تعالى((ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)) المائدة:32.

فإن المجلس الإسلامي الأعلى يدعو كافة المواطنين إلى التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم بالتوقيع على سجل وطني يعطي الحق للجهات المختصة في التصرف في أعضائهم عند الحاجة، وفي حال موافقة أهلهم وأقاربهم يصبح من الجائز (أو الواجب في حال الوصية)  نقل الأعضاء من الجسم الميت لإنقاذ حياة أناس آخرين. ولهم كل التقدير والاحترام والشكر والدعاء لهم بأن يجزيهم ربهم أحسن الجزاء. والله أعلم